2024/04/25
الرئيسية || مقالات || سلسلة الدفاع عن الصحابة الكرام [02]

سلسلة الدفاع عن الصحابة الكرام [02]

   حكم سب الصحابة الأبرار ،  وأمهات المؤمنين الأطهار

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده ، وعلى آله وصحبه ، وبعد :

فقد بينا في المقال السابق طرفا من فضائل الصحابة الكرام ، وما لهم علينا من حقوق، ومنها :

1- موالاتهم ، ومودتهم ، ومحبتهم بالقلب ، والثناء عليهم باللسان ، بما أسدوه من المعروف والإحسان . فالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ كما قال النبي r[متفق عليه] قَالَ أنَس t : فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ.[متفق عليه واللفظ للبخاري]

2- الترحم والترضي عليهم ، والاستغفار لهم؛ تحقيقا لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَااغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [الحشر:10].

3- العلم اليقيني بأنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم ، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله . وللصحابة بأسرهم خصيصة، وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه، لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة.

4- ذكر محاسنهم ، والإمساك عما شجر بينهم ، والكف عن مساوئهم التي إن صدرت عن أحد منهم فهي قليلة بالنسبة لما لهم من المحاسن والفضائل ، وربما تكون صادرة عن اجتهاد مغفور وعمل معذور، فهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب. قال الذهبي في”سير الأعلام”: فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع بينهم، وجهاد محاء، وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة.

5- بغض من يبغضهم ، وبغير الخير يذكرهم ، والذب عن أعراضهم ، والدفاع عنهم.

حكم سب الصَّحَابَةِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -:

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ سَبَّ الصَّحَابَةِ – رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ- حرام ؛ لأدلة كثيرة أصرحها : قَوْلُه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْل أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ[متفق عليه]، والنهي يقتضي التحريم ،بل سبهم كبيرة من كبائر الذنوب، لما ترتب عليه من الوعيد باللعنة في قوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعَنْةُ اللهِ، و الملائكةِ، و الناسِ أجمعين ” [السلسلة الصحيحة : 5 / 446]، واستحلال سبهم إنكار لما علم تحريمه من الدين بالضرورة، ومن ثم فهو خروج عن الملة. فإذا عرفت أن آيات القرآن تكاثرت في فضلهم، والأحاديث المتواترة بمجموعها ناصة على كمالهم … فمن اعتقد حقية سبهم وإباحته، أو سَبَّهم مع اعتقاد حقية سبهم، أو حليته فقد كفر بالله تعالى ورسوله فيما أخبر من فضائلهم …

وقد بين العلماء أن سب الصحابة – رضوان الله عليهم – على ثلاثة أقسام هي:   حكم سب الصَّحَابَةِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -:

1– أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم، أو أنهم ارْتَدُّوا جَمِيعًا بَعْدَ رَسُول اللَّهِ r أَوْ أَنَّهُمْ فَسَقَوْا ؛ فهذا كفر لأنه تَكْذِيبٌ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ والسُنةُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الرِّضَا عَنْهُمْ ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ ، بل من شك في كفر مثل هذا فإن كفره متيقن ؛ لأنَّ مَضْمُونَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ : أَنَّ نَقَلَةَ الْكِتَابِ ، وَالسُّنَّةِ كُفَّارٌ ، أَوْ فَسَقَةٌ ، وَأَنَّ هَذِهِ الأْمَّةَ الَّتِي هِيَ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناس، وَخَيْرُهَا الْقَرْنُ الأْوَّل كَانَ عَامَّتُهُمْ كُفَّارًا ، أَوْ فُسَّاقًا ، وَمَضْمُونُ هَذَا : أَنَّ هَذِهِ الأْمَّةَ شَرُّ الأْمَمِ ، وَأَنَّ سَابِقِيهَا هُمْ أَشْرَارُهَا ، وَكُفْرُ مَنْ يَقُول هَذَا مِمَّا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ .كما تتضمن هَذِهِ الْمَقَالَةِ : الطعن في حكمته – عز وجل – حيث اختارهم واصطفاهم لصحبة نبيه r وإقامة دينه ، وتتضمن أيضا :القطع بإخفاق النبي r في دعوته ورسالته ؛ فإذاكان أصحابه سوى بضعة رجال منهم منافقين ومرتدين – فيما زعموا – فمن دام بالإسلام ؟! ومن أنتفع بالرسول – صلى الله عليه وسلم -؟ وكيف يكون رحمة للعالمين ؟ وَجَاءَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ : يَجِبُ إِكْفَارُ مَنْ كَفَّرَ عُثْمَانَ ، أَوْ عَلِيًّا ، أَوْ طَلْحَةَ ، أَوْ عَائِشَةَ ، وَكَذَا مَنْ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ يَلْعَنُهُمَا .

2– أن يسبهم باللعن والتقبيح ؛ ففي كفره قولان لأهل العلم ، ومن قال لايكفر جعله مشروطا بعدم مصادمة النصوص الصريحة من الكتاب والسنة الصحيحة الدالة على فضائل خاصة لبعضهم ، و عدم إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، وعلى القول بأنه لا يكفر، يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال.

3– أن يسبهم بمَا لاَ يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِمْ، أَوْ فِي دِينِهِمْ؛ بِأَنْ يَصِفَ بَعْضَهُمْ بِبُخْلٍ، أَوْ جُبْنٍ، أَوْ قِلَّةِ عِلْمٍ، أَوْ عَدَمِ الزُّهْدِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَلاَ يَكْفُرُ بمجرد ذلك ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ والتَعْزيرَ بما يردَعُه عنْ ذلك. ، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من العلماء.[راجع الصارم المسلول]

عن عبد الله بن عمرt قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس : ما رأيت مثل قُرائنا هؤلاء، أرغبَ بطونا، ولا أكذبَ ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء. فقال رجل في المسجد: كذبتَ، ولكنك منافق. لأخبرن رسول الله r فبلغ ذلك رسول الله r ونزل القرآن. قال ابن عمر: وأنا رأيته متعلقا بحَقَب ناقة رسول الله r تَنكُبُه الحجارة، وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله r يقول: { أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ.لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }[رواه ابن أبي حاتم ،وعنه الطبري في”التفسير” وله شاهد بإسناد حسن عن كعب بن مالك رضي الله عنه.]

 

حكم سب أمهات المؤمنين – رضوان الله عليهن –

لا يُعلم على مر القرون الماضية في تاريخ الإسلام أن أحدا من المؤمنين الصادقين سب أمهات المؤمنين أو طعن فيهن، بل عُرِف ذلك عن المنافقين الذين انحرفوا عن سبيل المؤمنين.

قال الإمام الطحاوي: ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله r وأزواجه الطاهرات من كل دنس… فقد برئ من النفاق. اهـ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في “بيان عقيدة أهل السنة والجماعة”: ويَتَوَلَّوْن أزواج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمهات المؤمنين ، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة. اهـ. بل إن رسول الله r سن لأمته أن يصلوا على أزواجه في الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، فكان يقول عقب التشهد في الصلاة:  اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ[رواه أحمد ومسلم وغيرهما]

ولشرفهن – رضي الله عنهن – سماهن الله في كتابه “أمهات المؤمنين” كما قال تعالى:{ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [الأحزاب: 6]وقد خيرهن الله U على لسان نبيه r بين الدنيا والآخرة فاخترن الآخرة، قال تعالى:{وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً }[الأحزاب:29].

ومن فضلهن – رضي الله عنهن – أنهن صَبَرْن على شظف العيش وضيق الحال معه r وصبرن عن الأزواج بعده، ورضين بأن يكن أزواجه في الآخرة كما كن أزواجه في الدنيا.وكل ما سبق من المعلوم من الدين بالضرورة.

وقد أجمع العلماء عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ قَذَفَ الصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ : عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – زَوْجَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ ، لأِنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ .قال النووي في”شرح مسلم” براءة عائشة – رضي الله عنها- من الإفك براءة قطعية بنص القرآن العزيز ، فلو تشكك فيها إنسان والعياذ بالله صار كافراً مرتداً بإجماع المسلمين ، و قد حكي الإجماع على هذا غير واحد؛منهم: القاضي أبو يعلى، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم ،الحافظ ابن كثير، والزركشي ، وعن مالك بن أنس قال : من سب عائشة قتل، قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن؛ لأن الله – تعالى – قال: { يَعِظِكُم اللهُ أَن تَعُودُواْ لِمثلِهِ أَبَدَاً إِن كُنتُم مُؤمِنينَ } .

وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري: سمعت القاسم بن محمد يقول لإسماعيل ابن إسحاق: أتي أمير المؤمنين بالرقة برجلين شتم أحدهما فاطمة، والآخر عائشة، فأمر بقتل الذي شتم عائشة، وترك الآخر، فقال إسماعيل، ما حكمهما إلا أن يقتلا؛ لأن الذي شتم عائشة رد القرآن، وعلى هذا مضت سيرة أهل الفقه والعلم، من أهل البيت وغيرهم.

وقال أبو السائب القاضي: كنت يوما بحضرة الحسن بن زيد الداعي، وكان بحضرته رجل، فذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فقال: يا غلام، اضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي – صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى: { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } ، فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي – صلى الله عليه وسلم – خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه وأنا حاضر. [رواه اللالكائي]، وروى عن محمد بن زيد، أخي الحسن بن زيد، أنه قدم عليه رجل من العراق، فذكر عائشة بسوء، فقام إليه بعمود فضرب به دماغه فقتله، فقيل له: هذا من شيعتنا، ومن بني الآباء، فقال: هذا سَمّى جدي – يعني: رسول الله r قَرْنان :[أى:الذي لا غَيْرَةَ له]، ومن سمى جدي: قرنان، استحق القتل، فقتله.اهــ ،وقد جعل النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – محبة عائشة من محبته؛ فَقَالَ لفاطمة : أَيْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ ؟ فَقَالَتْ: بَلَى ؛ فَقَالَ : فَأَحِبِّي هَذِهِ لِعَائِشَةَ [رواه مسلم وغيره]وفي صحيح البخاري : كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ : فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَقُلْنَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ ،فَمُرِي رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ، قَالَتْ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: فَأَعْرَضَ عَنِّي فَلَمَّا عَادَ إِلَيَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ ،فَقَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ ؛ فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا، زاد في رواية : قالت : فقلتُ: أتوبُ إلى الله مِنْ أذاك يا رسولَ الله ، وعند أحمد من حديث أم سلمة نحوه، وفيه: فَقَالَتْ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَسُوءَكَ فِي عَائِشَةَ.

  • وأما سب غير عائشة من أزواج النبي r ؛ ففيه قولان : أحدهما : أنه كَسَابّ غيرهن من الصحابة.

والثاني: وهو الأصح : أنه من قذف واحدة من أمهات المؤمنين، فهو كقذف عائشة – رضي الله عنها -. وذلك لأن هذا فيه غضاضة على رسول الله  r وأذي له أعظم من أذاه بنكاحهن بعده، وهذا ظاهر

 قال الإمام ابن حزم بعد أن ذكر أن رمي عائشة – رضي الله عنها- ردة تامة ، وتكذيب للرب – جلا وعلا – في قطعه ببراءتها ، قال : و كذلك القول في سائر أمهات المؤمنين ولا فرق ، لأن الله تعالى يقول { وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } ، فكلهن مبرآت من قول إفك ، والحمد لله رب العالمين .

أما إن سب أمهات المؤمنين سبا غير ذلك؛ فحكمهن حكم سائر الصحابة على التفصيل السابق .

بعض ما نقل عن السلف في التحذير من سب الصحابة – رضي الله عنهم -:

– عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ قَالَ :كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ r فَلَمُقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمْرَهُ. [رواه أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجة وابن أبي عاصم بسند جيد ، و صححه البوصيري وغيره]

– عن ابن عباس t أنه قال: “لا تسبوا أصحاب محمد r فلمقام أحدهم ساعة يعني مع رسول الله r خير من عمل أحدكم أربعين سنة ” .[رواه ابن بطة بإسناد صحيح كما في “منهاج السنة”، و”شرح الطحاوية”]

– عن ميمون بن مهران قال: ثلاث ارفضوهنّ: سبّ أصحاب النّبي r، والنّظر في النّجوم، والنّظر في القدر. [رواه أحمد في “فضائل الصحابة”بإسناد صحيح]

– عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: قلت لأبي: ما تقول في رجل سب أبا بكر – رضي الله عنه- ؟ قال: يقتل، قلت: سب عمر – رضي الله عنه – ؟ قال: يقتل .[رواه محمد بن عاصم الأصبهاني بإسناد صحيح ، وعبد الرحمن بن أبزى صحابي صغير، وكان عاملا لعليّ – رضي الله عنه – على خراسان ]

– عن الإمام مالك – رحمه الله – قال : إنما هؤلاء[يعني: الذين يسبون الصحابة] أقوام أرادوا القدح في النبي r ، فلم يمكنهم ذلك ، فقدحوا في أصحابه ، حتى يقال رجل سوء ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحون .

عن الإمام أحمد – رحمه الله – قال : (( إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام )) .

– وقال الإمام أبو نعيم – رحمه الله – في” الإمامة”: فلا يتتبع هفوات أصحاب رسول الله r  وزللهم، ويحفظ عليهم ما يكون منهم حال الغضب والموجدة؛ إلا مفتون القلب في دينه ، ويقول أيضا :لا يبسط لسانه فيهم إلا من سوء طويته في النبي r  وصحابته والإسلام والمسلمين .

فاحفظوا رحمكم الله للصحابة حقهم ، واحذروا سبهم ، وعلموا أولادكم حبهم ، واجتهدوا في التأسي بهم .

قوم جميع الفضل منتسب لهم … فَتَشَبَّهُوا إِنْ لَم تَكُونُوا مِثلَهُم … إِنَّ التَّشَبُّهَ بِالكِرَامِ فَلاحُ .

وبالله تعالى التوفيق ، اللهم اجعلنا ممن يحب صحابة رسولك – صلى الله عليه وسلم – ، ويدافع عنهم ، ويتبع منهجهم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *